الأربعاء، 4 سبتمبر 2013

موقف من حياة الرسول***إقالة ذوي العثرات :

عندما أكمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - استعداده للسير إلى فتح مكة ، كتب حاطب بن أبي بلتعة ـ رضي الله عنه ـ إلى قريش كتاباً يخبرهم بمسير رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليهم ، ثم أعطاه امرأة ، وجعل لها أجراً على أن تبلغه إلى قريش ، فجعلته في ضفائر شعرها ، ثم خرجت به إلى مكة ، ولكن الله ـ تعالى ـ أطلع نبيه - صلى الله عليه وسلم - بما صنع حاطب ، فقضى ـ صلى الله عليه وسلم ـ على هذه المحاولة ، ولم يصل قريش أي خبر من أخبار تجهز المسلمين وسيرهم لفتح مكة ..

والخطأ الذي اقترفه هذا الصحابي الجليل ليس بالخطأ اليسير ، إنه كشف أسرار الدولة المسلمة لأعدائها ، ثم هذا الصحابي ليس من عوام الصحابة ، بل هو مِن أولي الفضل منهم ، إنه من أهل بدر، ويكفيه هذا شرفا ، والصحابة بمجموعهم خير القرون بقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومع كل هذا زلت به القدم في لحظة من اللحظات ، وكَمْ للنفس البشرية من زلات ، وهذا من سمات الضعف البشري والعجز الإنساني ، ليعلم الله عباده المؤمنين بأن البشر ما داموا ليسوا رسلاً ولا ملائكة فهم غير معصومين من الخطأ ، وهذا الذي عناه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: ( كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ) رواه أحمد .



وقد عامل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حاطبا ـ رضي الله عنه ـ معاملة رحيمة تدل على إقالة عثرات ذوي السوابق الحسنة ، فجعل - صلى الله عليه وسلم - من ماضي حاطب سبباً في العفو عنه ، وهو منهج تربوي حكيم ..

فلم ينظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حاطب من زاوية مخالفته تلك فحسب ـ وإن كانت كبيرة ـ ، وإنما راجع رصيده الماضي في الجهاد في سبيل الله وإعزاز دينه ، فوجد أنه قد شهد بدراً ، وفي هذا توجيه للمسلمين إلى أن ينظروا إلى أصحاب الأخطاء نظرة متكاملة ، وأن يأخذوا بالاعتبار ما قدموه من خيرات وأعمال صالحة في حياتهم ، في مجال الدعوة والخير ، والعلم والتربية ، والجهاد ونصرة دين الله ..

قال ابن القيم : " من قواعد الشرع والحكمة أن من كثرت حسناته وعظمت ، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر ، فإنه يحتمل منه ما لا يحتمل لغيره ، ويُعْفَى عنه ما لا يعفى عن غيره ، فإن المعصية خبث ، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث ، بخلاف الماء القليل ، فإنه لا يحتمل أدنى خبث." .

وإلى ذلك أشار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله لعمر ـ رضي الله عنه ـ : ( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) رواه البخاري .



إن إقالة العثرة ، والعفو عن صاحب الخطأ والزلة ، ليس إقرارا لخطئه ، ولا تهوينا من زلته ، ولكنها ـ مع الإنكار عليه ومناصحته ـ إنقاذ له ، بأخذ يده ليستمر في سيره إلى الله ، وعطائه لدين الله .. ومن ثم فإقالة إقالة ذوي العثرات موقف تربوي عظيم من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للأمة طبقه مع حاطب بن أبي بلتعة ـ رضي الله عنه ـ ..





via منتديات الوزير التعليمية Arabic Minister Forums, Educational and Networking - Alwazer http://vb1.alwazer.com/t88353.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق