الثلاثاء، 19 نوفمبر 2013

كيف تتحقق الجودة والتميُّز في القطاع الحكومي؟



كيف تتحقق الجودة والتميُّز في القطاع الحكومي؟
في الحقيقة تطورت مفاهيم الجودة من مجرد فحص للمنتجات إلى إطار عام وشامل لإدارة المنظمات الإنتاجية والخدماتية، ذي تأثير شامل وفعال في تطوير وتحسين أداء المنشآت بمختلف أهدافها وتوجهاتها وأحجامها، وذلك بناءً على ما أثبتته الدراسات العلمية الموثقة، والتطبيقات العالمية الناجحة لعدد من المعايير الإدارية كما في أمريكا وأوروبا، والإقليمية كإمارة دبي، والمحلية مثل المنطقة الشرقية والمتمثلة في جائزة الأمير محمد بن فهد. ومن أبرز تلك المعايير الشاملة ما يسمى بنماذج التميُّز المؤسسي، التي تعتبر خارطة طريق لتميّز المنشآت لتطوير أدائها والوصول إلى مستوى كبير من النضوج الإداري والجودة في فترة ما بين ثلاث إلى خمس سنوات. وهذا النموذج قد تبنته جائزة الملك عبد العزيز للجودة، كغيرها من جوائز الجودة العالمية والإقليمية، التي كانت سببا مؤثرا في تطور الأداء في القطاع الحكومي في بعض البلدان الإقليمية والعالمية. وفي هذا المقال سأختصر هذه المعايير وأقدمها لكل قيادي متميِّز يسعى ويحرص على تميُّز وزارته أو إدارته، وعلى جودة خدماتها على النحو التالي:

المعيار الأول: القيادة الإدارية

القادة من الوزراء والوكلاء وكل المسؤولين هم صانعو النجاح والركيزة الأولى لتحقيق التميُّز في المنشآت الحكومية. فبتبنيهم والتزامهم بتطبيق مفاهيم الجودة تبدأ رحلة التميُّز، ودونها تختفي كل مؤشرات التغيير الإيجابي المأمول. والقائد المتمّيِز هو الذي يقوم بما يلي:

- تطوير الرؤيا والرسالة والقيم المؤسسية للمنشأة مع إعطاء القدوة الحسنة في تبني ونشر ثقافة الجودة والتميُّز بين الموظفين والمتعاملين والمعنيين بأمر المنشأة، وإشراكهم وضمان تفاعلهم والعمل جميعا على تحقيقها.

- قياس ومراجعة مستوى أداء القادة وتقييم فعاليتهم ومهاراتهم القيادية وتطوير وتحسين تلك المهارات، وإعداد قيادات شابة واعدة لإدارة المنشأة في المستقبل، وتشجيع روح الفريق والتعاون على المستويات كافة.

- المشاركة الشخصية للقادة في ضمان تطوير وتطبيق وتحديث أنظمة العمل والتحسين المستمر لعمليات ومخرجات المنشأة وقيامهم بدور فاعل في ترتيب الأولويات التطويرية داخل المنشأة.

- تعامُل القادة ومشاركتهم في التواصل مع المتعاملين والشركاء وممثلي المجتمع من الجهات الحكومية وغير الحكومية؛ بغرض تفهم احتياجاتهم وتوقعاتهم والإيفاء بها، وكذلك التعاون معهم للقيام بمبادرات مشتركة.

- قيام القادة بإدارة عملية التغيير داخل المنشأة بكل الوسائل الممكنة وقيادة العاملين (الموظفين) وبقية المعنيين لتبني متطلباتها وتنفيذها.

المعيار الثاني: السياسة والاستراتيجية

المنشأة الحكومية المتميزة هي تلك التي تقوم بتحقيق رؤيتها ورسالتها من خلال استراتيجية تركز على احتياجات جميع المعنيين الحالية والتوقعات المستقبلية لهم، وتأخذ في الاعتبار المجال المتخصص الذي تعمل فيه، كما تقوم أيضا بوضع السياسات والخطط والأهداف وتقوم بتعميمها على جميع الموظفين وتطوير وتطبيق العمليات اللازمة لتنفيذ الاستراتيجية ووضع مؤشرات دقيقة لقياس الأداء المؤسسي من خلال البحوث والدراسات وأنشطة التعليم وما شابه ذلك، ومراجعة وتطوير وتحديث السياسة والاستراتيجية للمنشأة.

المعيار الثالث: العاملون

المنشأة الحكومية المتميزة هي تلك التي تبدي الالتزام تجاه العاملين لديها من خلال تخطيط وإدارة وتطوير العنصر البشري وتحديد وتطوير واستدامة القدرات والمعرفة لديه والعمل على إطلاق الطاقات والقدرات الكامنة لديهم على المستوى الفردي والجماعي والمؤسسي ككل بإشراك العاملين وتمكينهم وإعلاء قيم العدل والمساواة؛ وذلك سعيا نحو تحقيق الرؤيا والرسالة والأهداف الكلية. كما تقوم أيضا تلك المنشآت برعايتهم والتواصل معهم ومكافأتهم وتقديرهم بصورة تحفزهم وتعزز التزامهم وولاءهم للمنشأة.

المعيار الرابع: الموارد والشراكات

المؤسسات الحكومية المتميزة تقوم بتخطيط وإدارة الشركات الخارجية والموردين وإدارة الموارد الداخلية بغرض دعم السياسة والاستراتيجية وضمان فعالية إدارة العمليات، كما تقوم أيضا بإدارة الموارد الداخلية والشراكات الخارجية أثناء عملية التخطيط الاستراتيجي، حيث يتم التوازن بين الاحتياجات الحالية والمستقبلية للمؤسسة؛ ضمانا لتحقيق أهدافها من جهة وتلبية احتياجات المجتمع والبيئة الخارجية من جهة أخرى. كما أنها تتضمن إدارة الموارد المالية وتنمية الإيرادات وترشيد النفقات، وإعداد وتطبيق نظام فعال للتقارير المالية، مع أهمية قياس ومراجعة مدى فعالية إدارة الموارد المالية وتطبيق نظام متكامل يضمن الحوكمة لإدارة الموارد المالية على جميع المستويات بها. كذلك تهتم بإدارة المباني والأجهزة والمعدات وبقية الممتلكات وتحقيق الاستغلال الأمثل لها وللتقنية المستخدمة والتأكد من مدى فعاليتها في تحقيق ما هو مطلوب في إدارة المعلومات والمعرفة، مع أهمية دور المنشأة في تعزيز وتنشيط الابتكار والتفكير الإبداعي من خلال استخدام الموارد المناسبة من المعرفة والمعلومات واحترام وحماية الملكية الفكرية.

المعيار الخامس: العمليات

المؤسسة الحكومية المتميزة تقوم بتصميم وإدارة وتحسين العمليات؛ رفعا لكفاءتها وفعاليتها وتبسيطا لإجراءات العمل لديها؛ سعيا لتنفيذ الخطة الاستراتيجية ووصولا للإيفاء بمتطلبات المتعاملين وجميع المعنيين وإحداث القيمة المضافة لهم، وينبغي أن يكون ذلك من خلال نظام موحد وموثق ومطبق بصورة فعالة كنظام الأيزو iso 9000، مع أهمية وجود تدقيق داخلي وخارجي ذي مصداقية على نظام إدارة العمليات للتحسين المستمر مع الاستفادة من آراء المتعاملين والمعنيين التي يمكن الحصول عليها من خلال دراسات واستبانات المتعاملين والاستفادة من مشاركة العاملين، وتطبيق منهجية تمكّن من دراسة وتحليل ومعالجة الشكاوى.

المعيار الأخير: معيار النتائج

التميز هو تحقيق النتائج التي تسعد جميع أصحاب المصلحة من المنشأة، ويتوقف التميز على تحقيق التوازن بين مختلف النتائج الرئيسة، التي تركز على العاملين في المنشأة والمستفيدين منها، بما في ذلك المعلومات المتعلقة برضا العملاء ونتائج أداء الخدمات والموارد البشرية والموردين والتأثير على المجتمع. وتعتبر النتائج للمنشآت بمنزلة الرأس من الجسد؛ لذا ينبغي على كل منشأة حكومية أن تخطط للنتائج المطلوبة منها ووضع مؤشرات الأداء المناسبة لها وتضع المنهجيات المناسبة لقياس أدائها من خلال جمع المعلومات الدقيقة من جميع الأطراف كأثر رجعي من خلال الدراسات والاستبانات ذات المصداقية والدقة.

ثالثا: ما أهم الأسباب في عدم تطبيق وتبني برامج الجودة الفعالة؟

لا شك أن عدم تطبيق برامج معايير الجودة الفعالة في القطاع الحكومي هو نتيجة أسباب أدت إلى وجود الكثير من العقبات الكؤود في سبيل التطبيق، وإن أولى خطوات التغيير الإيجابي تبدأ من التعرف على تلك الأسباب؛ حتى يمكن علاجها، وهنا أذكر أهمها بصورة مجملة على النحو التالي:

- عدم وجود استراتيجية وطنية للجودة تتبناها الوزارات والهيئات الوطنية وتطبقها بطريقة سليمة وفعالة.

- عدم اقتناع بعض المسؤولين في المنشأة الحكومية بأهمية دور تطبيق الجودة وحاجتها إلى تطبيقها لأسباب مختلفة، منها الاعتقاد الوهمي بجودة خدمات المنشأة والتغني بتميُّزها المطلق.

- عدم المعرفة بالجودة ومفاهيمها ومعاييرها وكيفية تطبيقها، وعدم الاستفادة من خدمات المختصين.

- النقص الكبير في توفير الموارد الضرورية لبرامج الجودة من الطاقات البشرية المؤهلة والموارد المادية نتيجةً لعدم تبني القيادات الإدارية لها أو ضعف الالتزام بدعمها. وفي حالة حصول شيء من التبني لبرامج الجودة فإن مثل هذه المبادرات غالبا ما تفتقد التخطيط والمتابعة الدقيقة، وتتسم بالضعف والملل وعدم الاستمرار.

- الجمود وعدم التطوير في النظام الحالي لوظائف الخدمة المدنية ساعد ـــ للأسف ـــ في تجُّذر عديد من الأمراض الإدارية والسلوكية في مجتمع القطاع الحكومي.. أذكر على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

- الترهل الإداري وانتشار البطالة المقنعة.

- الواسطة والمحسوبية وتقديم مصالح الأفراد والمعارف على المصالح العامة للبلد.

- السلوك الإداري السلبي من قِبل بعض موظفي القطاع الحكومي كضعف الإنتاجية، بل وانعدامها في كثير من الأحيان، واللامبالاة الإدارية، وفقْد الطموح وانطفاء جذوة الحماس لعدم تقدير الجهود وقلة المحفزات، وكذلك مقاومة التغيير الإيجابي من قِبل كثير من مسؤولي الإدارات الحكومية... إلخ

- عدم وجود برامج تطويرية فعَّالة للموارد البشرية، وإن وجدت ففي الغالب تكون بلا أهداف واضحة ولا خطط وتفتقد المردود الإيجابي على المتدرب.

وأنا على ثقة تامة بأن هنالك أسبابا وعقبات أخرى لم أتطرق إليها يلمسها ويعانيها من هو في ميدان القطاع الحكومي، ومع ذلك كله فينبغي ألا تزيدنا معرفة تلك الأسباب إلا إصرارا على التطبيق الجاد لأنظمة الجودة والتميُّز، مع الثقة الكبيرة في تحقيق النجاح بإذن الله تعالى.

رابعا: مقترحات عملية لتطبيق برامج الجودة في القطاع الحكومي:

أورد هنا بعض المقترحات المحورية في سبيل تطبيق برامج الجودة وتفعيلها على سبيل الذكر لا الحصر، وهي كما يلي:

- التعجيل في بناء الاستراتيجية الوطنية للجودة، التي بدأت بالفعل وبصورة جيدة وحرص كبير من محافظ الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة ومساهمة فعَّالة من المجلس السعودي للجودة في المنطقة الغربية واللجنة الوطنية للجودة في الرياض وبمشاركة عدد كبير من ممثلي القطاعين الحكومي والخاص، كما لا بد أن يتبعها ميثاق وطني يتبناه الوزراء ورؤساء الهيئات الوطنية في تبني الجودة ومعاييرها يتحول إلى منهجيات عملية وإطار تشغيلي لكل جهة.

- تسريع مشروع إعداد وتدشين المركز الوطني لقياس الأداء في القطاع الحكومي الذي تبناه مجلس الوزراء الموقر، كما ذكر في مقدمة المقال. مع التأكيد على أهمية تكامل منهجية قياس الأداء مع منهجيات وبرامج تطبيق الجودة؛ لأنه هو الوسيلة لتقييم التقدم وتحديد مواطن الخلل لتحسينها. ونأمل من معهد الإدارة المكلَّف من مجلس الوزراء بإعداد المرحلة الأولى أن يعلن عنها قريبا، فقد تأخر إطلاق المشروع كثيرا ولم يعد أمر وحال القطاع الحكومي يحتمل المزيد من التأخير.

- تشكيل فريق استشاري يضم بين أعضائه ذوي خبرات علمية وعملية واسعة بهذا المجال، ليتولى بناء استراتيجية وطنية لإعداد برنامج حكومي شامل في تحسين أداء القطاع الحكومي ومتابعة تنفيذه بالتكامل الفعّال بين البرامج الوطنية المشابهة له، وكذلك بين القطاعات الحكومية التي لها دور مباشر في أنظمة العمل في القطاع الحكومي كوزارتي العمل والخدمة المدنية وهيئة الرقابة والتحقيق؛ حتى تؤتي هذه الجهود ثمارها.

- تفعيل جائزة الملك عبد العزيز للجودة، التي سيكون لها دورٌ فعالٌ في توضيح المعايير التي تسير عليها الوزارات والهيئات الوطنية، لكن ينبغي قبل إطلاق الجائزة في القطاع الحكومي التخطيط المتقن لتهيئة بيئة القطاع الحكومي لفهم وتطبيق معايير الجائزة ليحصل التفاعل الإيجابي منها وتؤتي ثمارها، ولو بعد حين.

- دعم مجلس الشورى للمشروع والتأكيد على متابعة تنفيذه والتعجيل في ذلك، خاصة أن بعض أعضاء المجلس يمتلكون الخبرات الإدارية المتميّزة في هذا المجال وهو مجال اهتمامه، وبالذات بعد أن فتح المجلس مناقشة ودراسة الجودة والسلامة في القطاع الصحي.

أخيرا: وقفة أخيرة مع أصحاب القرار

وأعني بهم قياداتنا الإدارية الموقرة من الوزراء الكرام ووكلائهم ومساعديهم، الذين شرفهم الله بخدمة هذه البلاد المباركة وتحملوا الأمانة العظمية، وكذلك شرفهم ولي الأمر ـــ حفظه الله ـــ بهذا الاختيار الموفق وحمَّلهم أمانة أداء مهمة خدمة الوطن والمواطن، وهم ـــ ولله الحمد ـــ من الكفاءات الوطنية الكبيرة ذات القدرات العلمية والخبرات العملية والحكمة الإدارية القادرة على تحقيق جودة أداء وزاراتهم وخدماتها. وإنني إذ أسأل الله أن يعينهم وأن يسددهم ويرشدهم لما فيه خير البلاد والعباد أذكرهم بعظم الأمانة الملقاة على عاتقهم وسؤال الله تعالى لهم يوم القيامة عن الأمانة التي تحملوها، وقد قال النبي ـــ صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".. وإن تطبيق ما يسهل على المواطنين شؤون حياتهم وتحسين الخدمات المقدمة لهم وتنفيذ طلباتهم ورغباتهم من خلال أداء حكومي متميز لهو من أهم المهمات لدى وزاراتهم، وهذه المهمة على ضخامتها، إلا أنها ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى الإرادة الصادقة والإدارة الناضجة.. فهل نرى ما ينشده ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ وما يحلم به كل مواطن متحققا على أرض الواقع؟








;dt jjprr hg[,]m ,hgjld~E. td hgr'hu hgp;,ld?







via منتديات الوزير التعليمية Arabic Minister Forums, Educational and Networking - Alwazer http://vb1.alwazer.com/t93074.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق